كان موضوع هذه السنة ،وتحديدا في مادة المستجدات لسلك التعليم الابتدائي للدرجة الأولى حول:الكتاب المدرسي،ومن خلال بعض المعاينات هنا و هناك،تبدى لي أن هذا الموضوع لا زال أرضا بكرا في مجال الدراسات التربوية،بل القليل من الدراسات هي التي تهتم به،و من باب الاطلاع على المادة العلمية ،التي اهتمت بالبحث في هذا المجال،سأحاول قدر الإمكان وضع هذه المادة رهن إشارة كل التربويين بدون استثناء.
الدراسة الأولى:
معايير تصور و إعداد الكتاب المدرسي:
الكاتب:عبد الله الويزي
مفتش التعليم الابتدائي الحاجب
****************
ماذا تتضمن هذه الدراسة ؟
_ تقديم:
إن تناول موضوع الكتاب المدرسي يجد مشروعيته في الظرفية الراهنة للنظام التعليمي بالمغرب. ونظرا لأهميته و لارتباطه بمختلف عناصر المنهاج،فإن الكتاب المدرسي ينبغي أن يندرج ضمن القضايا المطروحة في صلب الإصلاحات التي تشهدها المنظومة التربوية.
_ 1 تحديد مفهوم الكتاب المدرسي:
ماذا نقصد بالكتاب المدرسي ؟
يرى الان شوبان"1 أن الكتاب المدرسي في عمومه،يحيلنا على كل مؤلف معد لأغراض تعليمية. وهو بذلك موجه لكل التلاميذ و لجميع المستويات و الشعب،و إلى المدرسين كذلك.وفي السياق نفسه،يقيم تمييزا بين المراجع المدرسية و بين الكتب المدرسية ويوضح أن المرجع المدرسي هو" كتاب يعرض المفاهيم الأساسية لمادة معينة و لمستوى معين".و يندرج في هذا الصنف دفاتر التمارين و ألأشغال التطبيقية التي تستجيب لحاجات برنامج تعليمي.أما الكتب المدرسية الأخرى،فهي كل المؤلفات التي لا ترتبط ببرنامج تعليمي،و التي يتم اللجوء إليها في إطار تطميلي كالقواميس و الموسوعات.....إلخ،و سنقتصر على اصطلاح الكتاب المدرسي للدلالة على" المراجع المدرسية" بالمعنى الدقيق.
2_ طبيعة الكتاب المدرسي و موقعه:
يعتبر الكتاب المدرسي من أهم الظواهر السوسوتربوية التي افرزتها الأنظمة التربوية الحديثة.فقد اكتسب خلال مراحل تطوره سلطات اختلفت باختلاف أهدافه ووظائفه.
و بالنسبة للنظام التعليم ببلادنا،وفي ظل الظروف الحالية للمدرسة المغربية،يعتبر الكتاب المدرسي العمود الفقري للمنهاج التربيو،إذ يشكل المصدر الوحيد الذي يعكس مضامين المنهاج التعليمي،و يترجم مستويات البنية التعليمية و تمفصلاتها.و لذلك يظل على المستوى التربوي الأداة التي تكتسب سلطة محركة للفعل التعليمي التعلمي.
فلا شك أنه من اهم الوسائط الديداكتيكية و اكثرها استعمالا في جميع مستويات البنية التعليمية،سواء من طرف المدرسين او التلاميذ أو الأباء.
على المستوى الاقتصادي،يشكل الكتاب المدرسي المنتوج الرئيسي لصناعة و توزيع الكتاب بالمغرب، و يكفي أن نشير إلى ان سوق الكتاب المدرسي تمس على مستوى التعليم المدرسي6096127 مستهلكا لأكثر من نوع واحد من الكتب المدرسية.وإذا اخذنا بعين الاعتبار ثمن كل نسخة،يتبين حجم النشاط الاقتصادي الذي يروجه الكتاب المدرسي.
واعتبارا للمكانة المركزية التي يحتلها هذا الكتاب المدرسي بين الوسائط الديداكتيكية وموقعه في المنظومةالتبربوية،و نظرا لتأثيره في مسار التمدرس فإن أمر تصوره و إعداده لا بد و أن ينطلق من تحديد دقيق لأهدافه ووظائفه و يحترم مجموعة من الضوابط و المعايير الموضوعية و العلمية.
3_ أهداف الكتاب المدرسي ووظائفه:
يهدف الكتاب المدرسي إلى:
_ أن يكون أداة تساهم إلى جانب عناصر أخرى،في تحقيق جودة التربية و التكوين.
_ أن يرمي إلى تنمية كفايات التعلم الذاتي المستديم.
_ أن يعمل على تعزيز التمكن من الكفايات الأساسية.
_ أن يسهم في تنمية مختلف جوانب الذكاء لدى المتعلم.
_ أن يساهم في تحقيق التفاعل بين التعلمات و بين محيطها السوسيوثقافي و الاقتصادي.
_ أما وظائف الكتاب المدرسي،فيمكن إجمالها في ما يلي:
_وظيفة تربوية : تتمثل في تنظيم أنشطة التعليم و التعلم وفق مقاربات منهجية تحقق أهداف المنهاج في أقل وقت و بأقل جهد ممكنين.
_ وظيفة اجتماعية: تتمثل في كونه يلعب دور الموازن بين الثقافة المدرسية و الثقافة الاجتماعية،و يرسخ الثقافات و القيم التي يعانقها المجتمع.
_ وظيفة سوسيو ثقافية : تتجلى في كونه يؤدي دور الحامل و المروج للقيم و المعايير الثقافية الأصيلة التي تحقق روح المواطنة لدى المتعلم من جهة، ودور النافذة التي يطل من خلالها هذا الأخير على العالم الخارجي من جهة ثانية.
4_ المعايير الضابطة لتصور و إعداد للكتاب المدرسي:
انسجاما مع هذه الاهداف وتلك الوظائف،واعتبارا لكون الوضعية المأمولة للكتاب المدرسي في بلادنا،بما تتطلبه شروط الجودة و التلاؤم لا تتحقق إلا من خلال تصور الكتاب المدرسي على أساس أنه مشروع علمي تربوي،يستلزم مراعاة جملة من المعايير الموضوعية نصنفها في ثلاث مستويات:تربوي وديداكتيكي و تقني.
* المستوى التربوي:
يتضمن المستوى التربوي المعايير التالية:
**معيار الملاءمة مع المنهاج:
ينطلق تصور الكتاب المدرسي من فلسفة تربوية واضحة المعالم،استنادا إلى منهاج يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الوطنية و الحضارية،ويعتبر العلاقة النسقية التي تربط الكتاب المدرسي بباقي مكونات المنهاج،عاملا محددا لاختيار مضامينه وطرق اشتغاله
**معيار الملاءمة السوسيوثقافية:
و يقتضي أن يعكس الكتاب المدرسي القيم الثقافية و الوطنية و الحضارية للمجتمع دون لإغفال الخصوصيات الجهوية و المحلية في أفق ترسيخ الهوية الثقافية المجتمعية.من جهة أخرى،يفترض أن يراعي مستوى تطور المجتمع و يساهم في تقريبه للمتعلم،وذلك من خلال إدراج قضايا و إشكالات ثقافية جديدة و معاصرة(ثقافة حقوق الإنسان،التنمية،الديمقراطية،البيئة)
** معيار الملاءمة السايكولوجية:
و يركز هذا المعيار على مراعاة خصوصيات الفئة المستهدفة،باعتبار أن كل الأنشطة المقدمة ممركزة حول شخص المتعلم كما يعني هذا التلاؤم اعتماد طرائق تأخذ بعين الاعتبار الفروق الفردية،و التركيز على أنشطة تفاعلية تمكن المتعلم من المساهمة في بناء الكفايات و توظيف مكتسباته منها في وضعيات جديدة.
** معيار الملاءمة البيداغوجية:
يتعلق الأمر هنا بالمقاربات البيداغوجية المعتمدة في عملية التعليم و التعلم،كأن يعتمد الكتاب المدرسي على مقتضيات بيداغوجيا الإدماج مثلا.
ومن زاوية ثانية،من الضروري استناد هذه المقاربات إلى النشاط الذاتي للمتعلم من خلال إعطاء الأولوية للوضعيات التي تستثمر الصراع السوسيومعرفي4 لدى المتعلم بين مكتسباته و بين المشكلات الجديدة التي تسعى إلى معالجتها
* المستوى الديداكتيكي:
يشمل هذا المستوى المعايير التالية:
** معيار تنظيم المحتوى على أساس ديداكتيكي:
لا يمكن تصور عمل تعليمي منفصل عن المحتويات المعرفية التي تعتبر مادة اشتغاله.وعليه،فإن هذا المعيار يركز على تحديد نوع المعارف و تبيان طبيعتها.وفي هذا الصدد يمكن التمييز بين:
_ معارف تكتسب لذاتها.
_ معارف تكتسب من أجل توظيفها.
_ معارف تعتبر كأدوات لتنمية مؤهلات التوافق لدى المتعلم
من ناحية ثانية،يركز هذا المعيار على النقل الديداكتيكي للمعارف، بمعنى الانتقال من مستوى المعرفة العالم بمفاهيمها و منطلقها الداخلي إلى مستوى المعرفة المدرسية التي يتحدد فيها القدر المراد تقديمه من هذه المعرفة و كيفية مقاربته ،مع السقوط في الاختزال المشوه للمعارف عند تبسيطها.
على المشتغل بإعداد الكتاب المدرسي الأخذ بعين الاعتبار هذه المرتكزات الديداكتيكية أثناء تنظيمه لمحتويات و مضامين المرجع الذي يشتغل عليه.
** معيار الملاءمة الأكاديمية للمحتويات:
يطرح هذا المعيار في الوقت الراهن بشكل أكثر إلحاحا مما مضى.فهو يقتضي من الساهرين على إعداد الكتب المدرسية أن يتوخوا الدقة و المصداقية في المعارف المقترحة،و يستلزم تحيين المعارف كلما اقتضى الأمر ذلك، كما يفرض طرح المعرفة العلمية بشكل موضوعي تفاديا للإسقاطات الأيديولوجية من طرف المدرس الذي سيقوم بتمريرها.
** معيار المقاربة الفارقية:
و المقصود به اعتماد مدخلات و أنشطة متعددة و متنوعة تسمح بمسارات فارقية تناسب القدرات المتفاوتة لتلاميذ القسم الواحد، وتمكن في النهاية من حصول التعلم لدى الجميع،بدل تقديم مسار واحد يؤدي إلى تنميط تفكير التلاميذ فيقبر إمكانيات المتفوقين و يقيد الضعفاء منهم بمسار قد لا يستطيعون استيعابه ومسايرته.
** معيار التحكم في أدوات التعلم الذاتي:
ويفترض هذا المعيار أن الكتاب المدرسي لا يستطيع تقديم كل المعارف المرتبطة بموضوع واحد،ومن ثم وجب على واضعيه أن يقدموا مفاتيح منهجية تسمح للمتعلم باكتساب كفايات تدبير تكوينه الذاتي خارج الكتاب المدرسي.
**معيار الملاءمة اللسنية و التواصلية:
تم تصنيف هذا المعيار في المستوى الديداكتيكي بدل المستوى التربوي نظرا لما للغة الخطاب من أثر في تقديم المادة المعرفية،و بيان منطقها ودورها في تيسير أو تعقيد لتعلم المادة مثال الرياضيات.يقتضي هذا المعيار اختيار مستوى الخطاب الذي سيؤطر المادة المعرفية،و آليات التواصل التي تساعد المتعلم على استيعاب المادة المعرفية المراد بناؤها.وخير مثال على هذا المعيار ما نجده في تقديم المفاهيم الرياضية،فالخطاب الذي يقدم المفهوم و التعليمات التي ترافق الأنشطة الرياضية قد تعقد استيعاب المفهوم وتجعل المتعلم حبيس الفهم اللغوي قبل أن ينتقل إلى الفهم الرياضي المراد التعامل معه
*المستوى الشكلي و التقني:
يتضمن هذا المستوى المواصفات الشكلية العامة التي تسمح باستغال الكتاب المدرسي على أفضل وجه،و الجوانب التقنية و الفنية المتدخلة في إنتاجه المادي:
أ_ المواصفات الشكلية العامة:
* تنظيم و تهيئة فضاء الكتاب المدرسي ليصبح أكثر جاذبية وتحفيزا للمتعلم
* وضع منهجية مبسطة لاستثمار الكتاب المدرسي بشكل واضح و سليم في إطار تعاقد بيداغوجي يحدد ما سيقدمه الكتاب المدرسي وما ينبغي على التلميذ إعداده لاستيعاب المضامين.
* وضع جدول إإجمالي يقدم الكفايات المستهدفة و المحتويات الموضوعاتية و المكونات و ألأنشطة المرتبطة لضمان المحافظة على السمة الشمولية و علاقة التكامل بين مختلف مكونات المنهاج.
*وضع دليل للمفاهيم و المصطلحات الأساسية بلغتين.
* إدراج المراجع البيبليوغرافية للمحتويات قصد تعويد المتعلم على التوثيق و النزاهة الفكرية
ب_ الجوانب التقنية و الفنية:
و يتعلق المر بالتقديم المادي للكتاب المدرسي:
***صفحة الغلاف:
بطاقة هوية الكتاب العنوان- المادة- المؤلفون- المستهدفين- سنة الطبع-مصادقة وزارة التربية الوطنية.
***جمالية الكتاب:
نوع الورق،حجم الكتاب،الألوان التي تم توظيفها
***الحروف المطبعية:
حجمها،و ينبغي أن تراعي المقاييس المتعارف عليها علميا.
***الصور و الرسوم و البيانات:
أن تكون خالية من أية إشارة أو علامة من شأنها أن تمس بالمقدسات الوطنية و الدينية و الثقافية،وخالية من الإشهار المقصود أو غير المقصود
*** كتلة الكتاب المدرسي:
وملاءمته مع البنية الجسدية للمتعلم
***شروط إدارية و تنظيمية:
تتعلق بالثمن و المنافسة الشريفة
تلكم كانت بعض المعايير الواجب الالتزام بها في إعداد الكتاب المدرسي، وقد أقرتها الأدبيات التربوية على المستوى الدولي وخلصت إليها اللجان المختلفة التي اشتغلت على إعداد تصور الوضعية المأمولة للكتاب المدرسي المغربي.نأمل أن تتحقق كل هذه المعايير أو جلها في الكتب المدرسية المقبلة لنتجاوز النقائص التي تكتنف المجهودات التي بدلت في التجارب السابقة
قائمة المراجع المعتمدة:
الميثاق الوطني للتربية و التكوين
آلان شوبان:الكتاب المدرسي التاريخ و المستجد
فرنسوا ريشادو:مفاهيم و إنتاج الكتاب المدرسي
استرتتيجية تطوير التربية العربية:ايسسسكو79
ندوات حول تقويم الكتاب المدرسي:وزارة التربية الوطنية 99
أعمال الملتقى التربوي حول الدراسة الخاصة بالكتاب المدرسي 2001
دفتر التحملات الخاص بالكتاب المدرسي- الصيغة النهائية
2001
جمالي كريم
مكون رئيسي ضمن مشروع جيني:
حلمي الوحيد أن يختفي الكتاب المدرسي،و يستبدل بالسبورة التفاعلية،لأنها مناسبة لروح العصر ومساعدة على التخلص من غبار الطباشير،ناهيك عن المستوى الرفيع التي تتميز به في تطويع المعرفة الإنسانية،ففي مجال التركيب مثلا،استطيع التحكم في كلمات أي نص كما أشاء و بسهولة كبيرة جدا،بل استطيع التحكم في القاعدة بطريقة تفاعلية نحن في امس الحاجة لها