يبدو طفل برج الجدي عند الولادة كالعجائز . ثم يسترجع شيئاً فشيئاً حيوية الطفولة ورونقها إلى أن يُصبح بعد عدد من السنيـن في وضع يحسده عليه مواليد الأبراج الأخرى الذين في عمره . ويُفسّر البعض هذا النمو الخلفي الذي هو عكس التطور الطبيعي عند الإنسان على أنه رمز واضح لتاريخ ولادة الجدي الذي يقع كما نعلم ما بين احتضار سنة راحلة وولادة أخرى جديدة .
إن هذا الطفل منذ البداية رزين قوي الإرادة مُكتمل الفهم رصيـن النظرات إلى درجة يشعر معها الكثيرون وعلى رأسهم والدته بالارتباك لاعتـقادهم أنهم هم الأطفال وهو الإنسان البالغ . ومنذ البداية أيضاً يتمتع بذوق خاص يُدافع عنه ويُؤكده بأسلوب هادئ سلبي لا أثر فيه للعنف أو المشاكسة أو الصراخ أو أية وسيلة من وسائل الطفولة عامة . ولهذا الطفل العجيب أهداف وأحلام واقعية يستطيع تحقيقها دون أدنى ريب بفضل مقدرته التـنظيمية وسيره بحسب روتينية مُعيّـنة . وبما أنه لا يُشبه الأطفال من نواح كثيرة يـبدو محروماً من الصداقات . ليس له سوى زميل أو اثـنين على الأكثر . لكنه يعتاض من ذلك الحرمان بعلاقـة ثابتة بأفراد العائلة , وبحياة بيتية لا يُفضل عليها شيئاً آخر .
يبدو هذا الطفل في المدرسة بطيء الذكاء نسبيّـاً , منطوياً على نفسه وعنيداً بعض الشيء , ومع ذلك ينجح في دراسته , بل يتـفوق فيها على الكثيرين , وذلك بفضل مثابرته وعدم لهوه باللعب أو الأحلام . ومع أنه قليل الاختلاط إلا أنه ينجح في الوصول إلى مركز القائد أو الزعيم بين أترابه الذين يشعرون نحوه بالتـقديـر والاحترام. غير أنه يُتهم أحياناً بالظلم والتعسّـف بسبب تحكمّـه فيمن هم أضعف منه , ومقابل ذلك لا يتردد في الانقياد لمن هم أقوى منه وأعلى شأناً دون التخلـّي قيد شعرة عن حقوقه التي يعرف كيف ومتى يستردها .
يرفض طفل برج الجدي إهمال واجباته ومسؤولياته في سبيل اللهو أو اللعب . لكن ذلك لا يمنعه من ملء فراغه بالصورة التي يريد . إنّ أساليب التسلية عنده تختـلف في الواقع عن المألوف والمعتاد , فأفضل لعبة يقوم بها هي تقـليد الكبار بوجه عام وأحد والديه بوجه خاص . مثلا ً تـلبس طفلة برج الجدي ثياب والدتها وتـتبرج مثـلها وتقوم مثـلها أيضاً بدور الأم وربة المنزل مستعملة الدُمى مكان الأطفال الحقيقييـن . أما الصبي فيُمثـل دور الطبيب أو المحامي أو الأستاذ ناسجاً على منوال أبيه ومُعداً نفسه لمستـقبل مماثـل . هذا بالنسبة إلى مراحل الطفولة الأولى , أما في المراحل التالية فيُظهر الطفل الاهتمام بأفراد الجنس الآخر ولكنه لا يستطيع منع نفسه من الارتباك والخجل أمامهم . تلك الظاهرة كفيلة بجعل سن المراهقة أمراً شاقاً عليه ما لم تـُرافقها رعاية الأهل وتـشجيعهم له .
على الرغم من بعض الصفات التي لا تـُـنبئ بسهولة كبيرة في طباع هذا الطفل يُمكن القول أنه – إجمالا ً – دمث الأخلاق رفيع التهذيب , قليل التبذير , واقعي الأحلام , جدير بثـقة أهله ومعلميه وأترابه . إنّ في وجوده متعة حقيقية ونعمة لا يعرف قدرها إلا من يُرزق مثـله .